اخبار التعليم

تقنية النانو في التعليم … هل نحن جاهزون؟

العلم بحر واسع وعجلة العلم في تقدم مستمر ولا تقف أبداً، لذلك نجد في كل يوم ما هو جديد في المجالات العلمية المختلفة، ومما لا شك فيه أن تقنية النانو أضحت موضوع العلم الحديث ومحور اهتمامه وغدت في طليعة التقنيات في يومنا هذا وفي المستقبل لما لها من أهمية في تحسين المنتجات، وعلاج الأمراض، وخدمة البشرية في مجالات الحياة جميعها. بالإضافة إلى أنها تعطي أملا كبيراً للثورات العلمية في المستقبل في الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء والهندسة وغيرها.

وتعتبر تقنية النانو تقنية حديثة، ويتزايد الاهتمام بها بتزايد تطبيقاتها في الحياة، ولذلك كان لابد من التعرف على مفهوم تقنية النانو والمقارنة بين كل من علم النانو وتقنية النانو، حيث يكثر اللبس بينهما.

ويعرف علم النانو على أنه العلم الذي يختص بدراسة المبادئ الأساسية للجزيئات والمركبات التي لا يتجاوز قياسها ال 100 نانو متر. والنانومتر هي وحدة قياس تساوي (10-9) متر. أما تقنية النانو فتعرف بأنها التقنية التي تتعامل مع مواد وأدوات في الحجم النانوي الذي يتراوح بين (1-100) نانومتر، في إنتاج مواد وأجهزة مبتكرة بخصائص جديدة ومميزة، يمكن أن تستخدم في المجالات والتطبيقات العلمية المنوعة. وقد استخدمت تطبيقات تقنية النانو في الكثير من المجالات مثل المجالات الصناعية والطبية مما أحدث ثورة في عالم التكنولوجيا.

ففي مجال الطب على سبيل المثال، فقد ساعدت هذه التقنية الحديثة في الكشف عن بعض الأمراض من خلال مجس حيوي نانوي. بالإضافة إلى أنها دخلت في علاج مرض السرطان حيث تستخدم الأغلفة النانوية المطلية بالذهب في تدمير الخلايا السرطانية، كما استخدمت في صنع العقاقير والأدوية حيث يعتبر النانوبيوتك (Nanobiotic) هو البديل الجديد للمضادات الحيوية (Antibiotic)، ففي جامعة (هانج بانج) في كوريا الجنوبية استطاع الباحثون إدخال (نانو الفضة) إلى المضادات الحيوية. ومن المعروف أن الفضة قادرة على قتل 650 جرثومة ميكروبية دون أن تؤذي جسم الإنسان.

وفي مجال الصناعة فقد ساعدت تقنية النانو في  تحسين صناعة الطائرات والسيارات من خلال استخدام منتجات نانوية أكثر قوة ومرونة وأخف وزنا وأقل استهلاكا للوقود، بالإضافة إلى دورها في تطوير صناعة الزجاج و صناعة ما يسمى ب” الزجاج النشط” أو ” زجاج التنظيف الذاتي” والقادر على تنظيف نفسه من الغبار وقطرات الماء، بالإضافة إلى صناعة منتجات رياضية أكثر خفة ومرونة وقوة مثل مضارب التنس والهوكي، كما دخلت تقنية النانو في صناعة الثلاجات، والغسالات، ومنقيات الماء المقاومة للميكروبات مع مقاومة التحلل والصدأ، كما دخلت هذه التقنية في صناعة الملابس، وساهمت في إيجاد ملابس مقاومة للبلل والبقع والأوساخ من خلال ما يسمى بخاصية اللوتس. ويتوقع أن تدخل هذه التقنية في الكثير من الجوانب الحيوية كالتغذية والزراعة والقطاع العسكري.

وكنتيجة للأهمية البالغة لهذه التقنية فقد اهتمت دول العالم بشكل عام ودول العالم المتقدم تحديداً اهتماماً بالغاً بتقنية النانو، وسعت إلى إدخال تقنية النانو الرائدة في مجال التدريس والتعليم، وتتصدر تقنية النانو قائمة الاهتمامات العلمية والبحثية في أغلب دول العالم، إذ قامت (52) دولة خلال السنوات العشر الماضية بتأسيس برامج ووحدات بحثية وأكاديمية ومعاهد بحوث ومراكز ومعامل، ويمثل النمو المطرد لتقنية النانو تحدياً للأوساط العلمية المهتمة في الجامعات والكليات التقنية لإعداد القوى العاملة لتوفير فرص وظيفية مستقبلية في هذا المجال.

وقد توجهت العديد من الدول المتقدمة إلى تضمين تطبيقات تقنية النانو ضمن المناهج الدراسية. وتعتبر الولايات المتحدة من أوائل الدول التي قامت بإعادة تشكيل المناهج لتتضمن هذا المجال وذلك لإعداد المتعلمين وتوجيههم مستقبلاً. كما أولت الولايات المتحدة اهتماماً بالغاً بتدريس وتعليم تقنية النانو في المدارس والجامعات وتدريب المعلمين على كيفية تدريس علوم وتطبيقات النانو لما يمثله ذلك من أهمية في ربط المعلمين بالتطور العلمي. ويعتبر تدريس تقنية النانو ضرورة ملحة في القرن ال21، في ضوء التسارع التقني والعلمي والتنافس الكبير بين الدول. ولقد أشارت العديد من المؤتمرات والندوات إلى ضرورة إدخال تقنية النانو في المناهج الدراسية حتى لا يشعر الطالب بالفجوة بين المدرسة والواقع الذي يعيشه ويراه من خلال الإعلام المرئي.

وتعتبر تقنية النانو أو كما يطلق عليها أحياناً النانو تكنولوجي جزءا لا يتجزأ من تعليم (STEM) فكما أن الممارسات الهندسية لم تعد تقتصر على طلبة الجامعة فكذلك الحال بالنسبة لتقنية النانو، حيث أصبح باستطاعة الجميع -بما فيهم الأطفال والمعلمين وطلبة الدراسات العليا- أن يستفيدوا ويستمتعوا ويتعلموا هذه التقنية.

ويتضح مما تقدم أهمية تدريس النانو تكنولوجي في المراحل الدراسية المختلفة، ويعتبر إعداد المعلم هو الخطوة الأولى من أجل تحقيق التنور النانوي، ويتضمن ذلك مفاهيم وتطبيقات النانو تكنولوجي في المناهج وتدريب المعلمين ومعلمي العلوم خصوصاً، وتدريب المعلمين على كيفية تدريس علوم النانو وأبحاث تقنية النانو.

ولكي تبلغ تقنية النانو في الوطن العربي أقصى قدراتها الكامنة لتسهم في بناء المجتمعات الحديثة فإننا نحتاج لجهد كبير وإلى المزيد من القوى العاملة والمدربة في أبحاث النانو، كما يلزم إعداد البرامج من أجل تنمية الموارد البشرية في مجال تقنية النانو. ولذلك فقد أقامت الكثير من الدول العربية المؤتمرات ونشرت الكثير من الدراسات في هذا المجال، إلا أن مفهوم تقنية النانو مازال حديث العهد في المدارس العربية. ويتطلب اللحاق بركب تقنية النانو، انقلاباً في عدد من الممارسات التربوية في أنظمتنا التعليمية على مختلف المستويات بدءاً من التعليم الابتدائي إلى الدراسات العليا. ويتضمن ذلك إعادة النظر في مفردات وأساليب تدريس مواد العلوم الأساسية كالفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات. وتضمين مفاهيم وتطبيقات النانو تكنولوجي في المناهج وإعادة النظر في مناهج العلوم الحالية وتقويمها وتطويرها في ضوء مفاهيم النانو تكنولوجي، وتنمية برامج لكليات المعلمين لتعزيز معلومات ومهارات واتجاهات الطلاب المعلمين والمتعلقة بالنانو تكنولوجي وتطبيقاتها، و نشر الوعي بأهمية التنور التكنولوجي، و اعتماد برامج قائمة على مفاهيم الطاقة المتجددة والنانو تكنولوجي في المنهاج العام لكليات التربية العلمية.

إغلاق