افكار

التكنولوجيا و التسويف الأكاديمي، أيّ علاقة؟

أثرت الثورة التكنولوجية في حياتنا اليومية تأثيرا واضحا وفي مختلف المجالات، حيث لا يمضي على الإنسان وقت ليعتاد على إحدى التكنولوجيات الجديدة حتى تبدأ الشركات بالتسابق على اختراع آلة تكنولوجية متطورة أو أكثر تطورا وذكاء من سابقاتها، لتصبح جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، بل وعاملا حاسما في عجلة الإنتاج.

فقد سهلت التكنولوجيا على الإنسان القيام بالعديد من المهام التي ربما كانت سابقا مستحيلة أو صعبة التحقق، و أرشدته إلى الكثير من المعارف والعلوم، بل وسمحت له باستغلال الوقت والجهد وتقليل التكلفة في الحصول على المعلومات المتعددة في وقت قياسي لتمكينه من وضع حلول لمشكلاته الحالية والمستقبلية.

في ظل الانفجار المعرفي المتزامن مع هذه التكنولوجيا المتجددة، لا يجد الإنسان فرصة سانحة لكي يعود إلى أعماق نفسه ويفكر مليا ويطرح على نفسه مجموعة من الأسئلة المتعلقة بسلبيات ومخاطر التكنولوجيا، والأسئلة التي يجب طرحها هي: ما الذي تسلبه التكنولوجيا منا؟ وما هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل استخدام التكنولوجيا الجديدة؟ هل التكنولوجيا نعمة أم نقمة؟

لقد أثبتت الدراسات والأبحاث أن مظاهر التكنولوجيا مثل الحاسوب والإنترنت والهاتف النقال لها مجموعة من السلبيات لا يمكن أن نرسم حدودها و نحدد مداها. ولو أخذنا على سبيل المثال شبكة الإنترنت، فقد أصبحت بمثابة المدرس الخصوصي المتواجد 24 ساعة على مدار 7 أيام ومتوفر في كل مكان، فالعديد من الدروس والدراسات والبحوث في جميع المجالات وفي مختلف اللغات متوفرة على الإنترنت. وقد دفع الانفجار المعرفي والتضخم المعلوماتي بعض الطلاب إلى التسويف في أعمالهم ومهامهم الأكاديمية، وهذا ما أشارت إليه أستاذة علم النفس المشارك بجامعة الملك خالد الدكتورة بشرى إسماعيل في مقال نشر في جريدة الجزيرة حيث تقول أن التكنولوجيا أدت إلى ظهور العديد من المعوقات الأكاديمية ومنها التسويف الأكاديمي .

إن التسويف الأكاديمي academic procrastination ظاهرة حقيقية منتشرة بين أوساط طلبة الجامعات، حيث يشترط على الطلبة الالتزام بالمواعيد المحددة للمهام والاختبارات في بيئة مليئة بالأحداث والأنشطة التي يتنافس فيها الطلاب. ويُعرف التسويف الأكاديمي بأنه “تأجيل البدء بالمهمات الأكاديمية نتيجة للتناقض بين النَّية والفعل، مما يؤدي إلى نتائج سلبَّية على المسِّوف”(Binder,2000)  كما وعرفه معاوية بأنه “ميل الفرد لتأجيل البدء في المهمات الأكاديمية أو إكمالها، ينتج عنه شعور الفرد بالتوتر الانفعالي (أبو غزال ،2012م, ص3).

ولكن هل من الممكن عزو ظهور التسويف الأكاديمي إلى التكنولوجيا من خلال سهولة الحصول على المعلومات؟

بغض النظر عن العوامل الحقيقة لظهوره، ومن خلال الرجوع إلى الدراسات التي وضحت إمكانية وجود عوامل أخرى تقف خلف التسويف الأكاديمي والتي تُعد نفسية بحتة، فقد ذكرت دراسة  بأن هناك علاقة عكسية بين تقدير الذات وظاهرة التسويف، فكلما ضعف تقدير الفرد لذاته زاد تسويفه الأكاديمي (Klassen, Krawchuk, and Raijani,2007)

كما أشارت الكثير من الدراسات الأخرى إلى أنه كلما زادت ثقة الفرد بنفسه وبقدراته على الإنجاز قل سلوكه أو ميله للتسويف الأكاديمي (Klassen, Krawchuk and Raijani 2007; Odaci, 2011; Steel, 2007; Seo, 2008; Woltrers, 2003)

وعلى الرغم من ذلك فإن للتسويف جانبا إيجابيا إذا كان سببه هو التأني لمعرفة مزيد من المعلومات التي تساعد على فهم الحوادث أو الخيارات، فيصبح التأجيل في اتخاذ القرارات أمرا جيدا (Chu and Choi, 2005).

ولكن قد يكون للتكنولوجيا تأثير في زيادة التسويف الأكاديمي بالفعل إذا تم استخدامها بطريقة خاطئة، فهي سلاح ذو حدين بالنهاية، وتعتمد على من يستخدمها وكيف يستخدمها، ومدى الوعي التكنولوجي لديه.

فكيف نستطيع إذا الحد من التسويف الأكاديمي باستخدام التكنولوجيا؟

الإجابة على هذا التساؤل تقودنا نحو العديد من الحلول التي يمكن تجربتها وإثبات فاعليتها وأثرها من خلال الدراسات والبحوث الميدانية، ومنها:

  • تحمل المسؤولية وإنهاء مسلسل اختلاق الأعذار وإلقاء اللوم على أعطال التكنولوجيا.
  • إلغاء الاتكالية التامة على التكنولوجيا والإنترنت في جلب المعلومات.
  • إكساب الوعي التكنولوجي، فعلى سبيل المثال ليس كل ما ينشر على الإنترنت صحيح.
  • تنمية الذكاء التكنولوجي الذي يهدف إلى استخدام التكنولوجيا والاستفادة منها قدر الإمكان في الوقت المناسب  و بالطريقة الأمثل.
  • إدارة الوقت والتخطيط الدقيق لأداء المهمات من شأنه أن يخفف أثر التسويف الأكاديمي على المدى البعيد.
  • التعزيز الذاتي عند إنجاز عمل ما في الوقت المحدد له.

وفي الختام، نقول أن التكنولوجيا ابتُكرت لحل مشكلات الإنسانية وليس لتعقيدها، فنحن من نطوعها لخدمتنا وليس لإعاقة وتسويف أعمالنا، فإلقاء اللوم عليها كأحد عوامل التسويف الأكاديمي هو بذاته تسويف لحل هذه الظاهرة.

إغلاق