إرشادات

الطريق الآمن لتعلم الصوتيات عند ذوي صعوبات التعلم

لقد أدت الثورة المعرفية والعلمية إلى زيادة الوعي بأهمية العملية التعليمية و بأساليب التعلم والتعليم المختلفة بما يتلاءم مع متطلبات العصر الحديث، و بما يتفق مع دورها في مساعدة الإنسان المعاصر على مسايرة العلوم والمعارف الجديدة.
إن المتتبع للدراسات و الأبحاث العلمية يجد أنه ومع بداية العقد الثامن من القرن العشرين حسبما أشار Hammill بأن عددا من الباحثين قاموا بصياغة النموذج المعرفي القائم على تجهيز المعلومات وتوضيح دورها في تفسير صعوبات التعلم وذلك من خلال تحديد العمليات المعرفية التي تكمن خلف الأداء لفهم هذه العمليات في عملية التعلم ومن ثم توضيح سبب الصعوبة (جابر و آخرون، 2014).

و على الرغم من أن اللغة هي أهم ما يميز المجتمعات الإنسانية عن سواها باعتبارها الأداة الأهم في العملية التواصلية بين الأفراد، والأداة الأنسب لعملية التفكير ، إلا إنها معرضة للعديد من الصعوبات التي قد تكون عائقاً في سبيل تحقيق أهدافها، و هذا ما يسمى بالصعوبات التعليمية خاصة ما يتعلق منها بالمهارات الأكاديمية كالقراءة والكتابة وغيرها.

ولكن هل هذه المهارات تشكل نقطة مفصلية في مسيرة تعلم ذوي صعوبات التعلم؟! حتى نجيب على هذا التساؤل لابد أن نعرف أن القراءة ذات أهمية كبرى في حياة المتعلمين، فمن خلالها يمكن معرفة كيفية قراءتهم لما يطلعون عليه من مواد دراسية أو ما يشاهدونه على التلفاز أو المجلات أو الكتب أو  الإرشادات على الألعاب التي يلعبون بها… و بالتالي فالقراءة هي وسيلة لتكوين الخبرات و الاتصال مع الآخرين و مع البيئة المحيطة.
فالقراءة هي بلا شك محور العملية التعليمية و على أساسها يتعلم الطفل الكتابة و التهجي و معرفة أصوات الحروف. فحينما نوجه نظرنا نحو الطفل من ذوي صعوبات تعلم القراءة نجد أنه يواجه مشكلة حقيقية في عدم القدرة على القراءة وعدم قدرته على فهم ما يقرأ، فتظهر في شكل عسر قرائي متمثل في صعوبة فك رموز الكلمة و ربطها بمدلولاتها…

و قد استنتجت بعض الدراسات أن التلاميذ من ذوي صعوبات تعلم القراءة لديهم قصور واضطراب في الوعي الصوتي!!! وقد ينتابك لوهلة نوع من الغموض حول هذا المصطلح وحول علاقته بالصعوبات القرائية… حينها نستطيع أن نجيبك بأن الوعي الصوتي هو أحد العمليات العقلية المعرفية في حياة الفرد بصورة عامة وحياة الطفل على وجه الخصوص، فالوعي الصوتي ضروري في عملية التعلم.
ويجب البدء في توفير مستوى من الوعي العالي عند المتعلمين ابتداء من رياض الأطفال و لجميع المراحل الدراسية، إذ أن على المربي في رياض الأطفال والمعلم في المدرسة تنمية وتطوير الوعي الصوتي لدى الأطفال من أجل تحضيرهم وتهييئهم لاكتساب المهارات القرائية.
و لابد أن نعرف أن المهارات المرتبطة بالوعي الصوتي تبدأ في سن ما قبل المدرسة، فهي تساعدنا على الكشف المبكر للتلاميذ الذين قد يتعثرون في الاكتساب القرائي مستقبلاً.

و يمثل الاضطراب في الوعي الصوتي أحد المشكلات الأساسية التي تواجه التلاميذ في السنوات الدراسية الأولى و بالأخص ذوي الصعوبات التعليمية، حيث يفقدون القدرة على تمييز الأصوات بعضها من بعض مقارنة بالتلاميذ العاديين…
و حينما نلقي بنظرة نحو خلاصة الابحاث الحالية نجد مشكلة لا يستهان بها في وجود عدد ليس بالقليل من التلاميذ ممن يعانون من صعوبات في تعلم القراءة، تلك المهارة التي قد يزيد عدم اكتسابها من نسب الفشل الأكاديمي، و يضخم حجم التسرب المدرسي. يتوجب علينا إذن إعطاء المزيد من العناية للأبحاث والدراسات المتعلقة بها، خاصة ما يتعلق منها بالجوانب المعرفية والتي تعتبر الأساس في عملية التعلم السليمة. ومن هذه الجوانب ما يتعلق بالوعي الصوتي و ميكانيزمات تعلم القراءة، و إضفاء المزيد من الاهتمام على الجوانب الدقيقة وتنميتها وتطويرها، فالوعي الصوتي يعتبر الوسيلة المثلى للتنبؤ بالقدرة القرائية المستقبلية لدى المتعلم.

التطورات التاريخية:

منذ سنوات عديدة، كان هناك الكثير من الجدل حول أهمية أخذ الصوتيات بعين الاعتبار في الفصول الدراسية الابتدائية… وإلى أي مدى ؟ و ما هو النهج المستخدم ؟!!

في وقت مبكر من القرن السادس عشر، كان هناك تركيز كبير على أسماء الحروف في تدريس القراءة و الكتابة. و في مطلع القرن التاسع عشر، بدأت المدارس الألمانية في تطبيق طريقة “الكلمة كاملة” وهي الطريقة التي ركزت على تعلم الأطفال كيفية التعرف على الكلمة بأكملها و نطقها قبل الدراسة.
و في منتصف القرن التاسع عشر، وجه الأمريكيون نظرهم لهذه الطريقة وأدرجوها في كتب القراءة الخاصة بهم بالاقتران مع الطريقة الصوتية.
في أواخر 1800م ،  قل الاهتمام بطريقة الكلمة بأكملها وكان هناك اهتمام متجدد بالتأكيد على سماع الصوت مرة أخرى.
و بسبب النتائج المخيبة للآمال في اختبارات التحصيل الخاص بالقراءة مما أدى إلى ازدياد معدلات صعوبة القراءة،  برزت عدد من المطالبات و التي على أساسها أقرت عدة ولايات أمريكية عددا من القوانين التي فرضت تأكيداً أقوى على تعليم الصوتيات.
وإلى اليوم، ما زالت الصوتيات موضوعاً ساخناً جداً باعتبارها محورا أساسيا في تعليم القراءة المبكرة (Savage, 2004) .

تدريس الصوتيات:

إن تعلم القراءة يتطلب معرفة صريحة بالجوانب الصوتية للكلام، و لكي يصبح المتعلم قارئاً فاعلاً يتوجب عليه تعلم التطابقات بين الحروف المكتوبة و صورها الصوتية من خلال فك الترميز Decoding، كمعرفة أن الكلمات تتكون من صور صوتية غير متلاصقة تعد مهمة لبناء قواعد الترابط بين الصور الصوتية و رسمها (سليمان، 2012).
ينبغي إذن دراسة العلاقة الصوتية عند تعليم القراءة لذوي صعوبات التعلم و إعطاء أهمية قصوى للجانب الصوتي والاستفادة منه عند تعليم القراءة بصفة خاصة و اللغة بصفة عامة. و على الرغم من ذلك، فإنهم يفتقدون إلى فهم القاعدة الصوتية للغة مما يؤدي إلى إغفالهم الجانب الصوتي الفونولوجي و تدريباته أثناء تدريسهم للقراءة، مما يزيد من أعداد التلاميذ الذين يعانون من صعوبات في القراءة (رجب، 2007).
و قد عرف التدريس الصوتي المنهجي في تعليم اللغة الأولى في الآونة الأخيرة اهتماما بحثيا كبيرا بسبب دوره الحاسم في تسهيل مهارات التوعية والتجهيز.

و قد كشفت دراسة نيجاري و قاسمي (Ghasemi,2014 & Negari) أن التلاميذ الذين تلقوا تعليما صوتيا قائما على الهجاء كان له تأثير كبير في تحسين القراءة لديهم مقارنة بالتلاميذ الذين تلقوا تعليما بدون صوتيات.
و يعتمد أسلوب تدريس الصوتيات على تعليم التلاميذ رؤية العلاقة بين الصوت و الحرف، فيتعلم التلاميذ كيف ينطقون الحروف و يجمعونها لتكوين كلمات كما يساعدهم على نطق الكلمات الجديدة من خلال نطق أصوات حروفها نطقاً مدمجاً. و تكمن العقبة الرئيسة في تدريس الصوتيات لذوي صعوبات التعلم في إمكانية التمييز بين بعض الأصوات، و كذلك وجود تلاميذ لديهم مشكلة في تذكر الأصوات و جمعها ( أبو نيان، 2010).

وفي هذا الصدد، تشير دراسة رايلي و ثمبسون (Riley & Thompson,2015) إلى أن استخدام نظرية تركيب الأصوات كبرنامج تدريبي مصمم و ربطها بالواقع هو أكثر فعالية ككفاءة لعلاج القراءة لدى ذوي عسر القراءة.
و يطلق البعض اسم الطريقة التركيبية على الطريقة الجزئية في تعليم الأصوات على اعتبار أن الطفل يتعلم كيف يركب الأجزاء التي تعلمها لتكون كلمات. و تدمج الطريقة الصوتية بين تعليم أصوات حروف الكلمة و الكلمة نفسها كأن يتعلم الطفل أصوات الكلمة ( رزق ) هكذا رَ- زَ- قَ ثم تُدمج هذه الأصوات بسرعة معاً لتكون الكلمة. و يسوغ الباحثون في تعليم الإنجليزية لذوي صعوبات التعلم لتعليم الأصوات كلمات وهمية لامعنى لها لتدريب الطفل على معرفة اصوات الحروف (الوقفي، 2003).
و هذا ما أبرزته دراسة كاردينس (Cardenas,2009) بأن الطلاب الذين يتعلمون الصوتيات في كلمات وهمية سيتعلمون المزيد من مهارات فك الترميز و سيظهرون مهارات وأداء أعلى مقارنة مع الطلاب الذين يتعلمون الأصوات في كلمات حقيقية.
و يعتبر أسلوب تعدد الحواس لـ جلنغهام و ستلمان (Gillingham and Stillman) أحد أساليب التدريس بالطريقة الصوتية، فهو يعتمد على الحواس في تعليم القراءة و التهجئة و ذلك بتدريس وحدات صوتية. و لقد أطلق على هذه الطريقة في الأصل بالطريقة الهجائية، فالأصوات المتمثلة بالحروف الهجائية يتم تعلمها بشكل منفصل على أن يقدم صوت واحد في كل مرة مستخدماً اسلوب متعدد الحواس. فالمتعلم يشاهد الحروف ويسمع الأصوات التي تمثلها. و تتبع الطريقة أسلوباً و إجراء منظماً لتعلم الحروف و تعلم الأصوات و ربط الحروف الساكنة و المتحركة و مزجها معاً في كلمة واحدة و من ثم يتم وضع الكلمات في جمل و قصص (كيرك و كلفانت).

إغلاق