اخبار التعليم

الأهداف الوجدانية : بين التنظير و التطبيق و الرؤى

أولا- تنظير الأهداف الوجدانية

يُعتبر كراثول Krathowhl أشهر المنظرين للأهداف الوجدانية، حيث لقي تنظيره شعبية كبيرة في الأوساط التربوية. وتجدون أسفله خطاطة تشرح تصنيف كراثول للأهداف الوجدانية، إضافة إلى أمثلة توضيحية متعلقة بمنهجي الدراسات الإسلامية والرياضيات مأخوذة من كتاب “صياغة الأهداف التربوية و التعليمية في جميع المواد الدراسية للدكتور جودت أحمد سعادة”.
الأهداف الوجدانية

المستوى الأول: الاستقبال Receiving

في هذا المستوى يُبدي المتعلم اهتماما بموضوع ما أو قضية معينة و تتراوح نواتج التعليم مرورا بالوعي البسيط إلى الاهتمام و وصولا إلى التقبل.
و قد أورد د/ جودت سعادة أمثلة منها:
في الدراسات الإسلامية: أن يهتم الطالب بجمع التبرعات للفقراء و الأيتام و أبناء الشهداء، عن طريق تحديد أسماء من يستحقون هذه التبرعات بحيث لا يقل عددهم عن سبعة.
في الرياضيات: أن يبدي المتعلم اهتماما بما لاقاه علماء الرياضيات من معاناة و متاعب في سبيل اكتشاف نظرياتهم و نشرها بين الناس.

المستوى الثاني: الاستجابة Responding

وهنا يتعدى مستوى الاهتمام إلى المشاركة، بحيث يتخذ موقفا حيال الموضوع أو القضية.
مثال في الدراسات الإسلامية: أن يتطوع المتعلم بالمساهمة في جمع التبرعات لمساعدة الفقراء و المحتاجين و أبناء الشهداء و الأيتام في ضوء إلمامه المعرفي بالآثار الإيجابية لهذه التبرعات.
في الرياضيات: أن يستمتع المتعلم بقراءة قصص كفاح علماء الرياضيات العرب و المسلمين في سبيل تطوير ذلك الميدان، بناء على إلمامه ببعض قصص هؤلاء العلماء بحيث لا تقل عن ثلاث قصص.

المستوى الثالث: الحكم القيمي “التقييم” Valuing

وهنا ينتقل المتعلم إلى مستوى أعلى من خلال إعطاء قيمة للموضوع، قيمة لها تأثير على الاتجاهات و المعتقدات.
في الدراسات الإسلامية: أن يقدر المتعلم دور الأنصار في تأييد الدعوة الإسلامية، و المؤاخاة مع المهاجرين عن طريق كتابة تقرير مختصر في ثلاث صفحات على الأكثر.
في الرياضيات: أن يقدر المتعلم جهود الخوارزمي في تطوير الرياضيات وخاصة في اللوغاريتمات (الخوارزميات) و ذلك بكتابة مقالة قصيرة عنه من صفحتين.

المستوى الرابع: التنظيم القيمي Organization

يعني بناء نظام قيمي للمتعلم يعتمد على المقارنة و الربط و التجميع، بحيث يشكل المتعلم مفاهيم خاصة به و متعلقة بالقيمة.
في الدراسات الإسلامية: أن ينظم المتعلم ندوة دينية تهدف إلى الابتعاد عن الغيبة و النميمة المنتشرة بين الناس عن طريق وضع خطة مسبقة لذلك و بنسبة صواب لا تقل عن 80%.
في الرياضيات: أن يدافع المتعلم عن الدور الذي قام به علماء الرياضيات من العرب و المسلمين لتقدم هذا الميدان المهم في ميادين العلوم، و ذلك عن طريق الحديث شفويا عنه، و فيما لا يقل عن سبع دقائق.

المستوى الخامس: التطبيع أو الوسم بالقيمة Characterization by A Value

و هو المستوى الأعلى حيث تتشكل القيمة كصفة تميز المتعلم عن غيره و تكون مؤثرة في سلوكياته، و يمكنه أن يطور من خلالها نمط حياته، مندمجة فيه الاتجاهات و المعتقدات و الأفكار، التي ارتضاها.
في الدراسات الإسلامية: أن يحترم المتعلم والديه و يرعاهما في فهمه العميق للآية الكريمة (و قضى ربك ألا تعبد ألا إياه…) و بدقة لا تقل عن 90 %.
في الرياضيات: أن يثق المتعلم بقدرة الرياضيات على التأثير الإيجابي في التخصصات الأخرى، عن طريق كتابة مقال قصير في المجلة الحائطية للفصل أو المدرسة من صفحتين.

هذا و نترك للمتأمل التربوي التفكير في إمكانية تحقيق و قياس الأهداف السابقة.

ثانيا- واقع الأهداف الوجدانية

سنعتمد في نقل واقع الأهداف الوجدانية على ملاحظاتنا الخاصة وعلى نتائج دراسة للأستاذ ناصر حسن القحطاني.

1- من الملاحظات الميدانية خلال تجربتي في مجال التعليم

من هذه الملاحظات نذكر:

– كثير من المعلمات يصغن الهدف الوجداني بهذه الطريقة: ( أن تؤمن الطالبة بالآية القرآنية …………. / أن تقدر… / تستشعر…)
– تحصر الكثير من المعلمات الأهداف الوجدانية في ذكر آية قرآنية أو حديث شريف.
– تكتفي المعلمة بمجرد ذكر الآية أو الحديث كمؤشر على تحقيق الهدف الوجداني.
– تجعل المعلمة في الغالب الهدف الوجداني في  نهاية الحصة.
– تتجاهل الكثير من المعلمات الهدف الوجداني.
– مناهجنا التعليمية لا تحتوي على أهداف وجدانية يمكن قياسها.
– الدلائل والكتب الخاصة بالمعلمة أو المعلم لا تحتوي على تعليمات، و لا أمثلة لبيان كيفية صياغة الأهداف الوجدانية و مهارات اشتقاقها.

2- دراسة وصفية

هذه الدراسة الوصفية بعنوان ”تحديد معوقات استخدام الأهداف الوجدانية في تدريس الرياضيات بالمرحلة الثانوية من وجهة نظر المعلمين‟ و هي دراسة و إن كانت خاصة بالرياضيات إلا أنها تتقارب في واقعها مع المناهج الأخرى. و قد خرجت الدراسة بنتائج عن واقع الأهداف الوجدانية نوجزها في:
– تجاهل المعلم لصياغة الأهداف الوجدانية .
– الإحباط الي يُلاقيه المعلم من البيئة المحيطة.
– خُلو المفاهيم الحديثة في عصر العولمة من القيم الوجدانية.
– قلة الأنشطة الإثرائية التي تُعنى بالأهداف الوجدانية.
– تركيز الجامعات على الإعداد الأكاديمي أكثر من الجانب التربوي.

– غياب البرامج التدريبية لتنمية المهارات على الأهداف الوجدانية.

ثالثا- رؤية حول الأهداف الوجدانية

حتى نضع رؤية واضحة للأهداف الوجدانية لابد أن نطرح سؤالين:
الأول: هل هناك دراسات تشير إلى صدق تصنيف كراثول Krathowhl للأهداف الوجدانية، و بالأحرى صدق قياسها في الميدان التربوي كما الأهداف المعرفية؟
في الحقيقة لا توجد دراسات كافية للأهداف الوجدانية. ولا توجد مقاييس دقيقة لقياس السمات في المجال الوجداني.
الثاني: لماذا يجد المعلمون صعوبة في تحقيق الأهداف الوجدانية؟
ــ نوجز الإجابة في الرغبة الملحة من قبل التربويين لتطويع الأهداف الوجدانية كالأهداف المعرفية متجاهلين في ذلك:
– صعوبة الصياغة.
– صعوبة تحديد السمة المُقاسة.
– صعوبة إعداد مقاييس دقيقة لقياس السمات في هذا المجال.
– تحتاج الأهداف الوجدانية زمنا طويلا في التخطيط و المتابعة لتحقيقها.
– تتطلب الأهداف الوجدانية تدخل كل من أولياء الأمور و المعلمين و الإداريين.
– صعوبة تغيير و تعديل بعض الاتجاهات التي يكتسبها المتعلم قبل قدومه للمدرسة.
لهذا نرى أن الهدف الوجداني بكل مستوياته تقع مسؤوليته بالدرجة الأولى على جهود المعلم. كما أنه لا ينبغي أن تشكل الأهداف الوجدانية قلقا بالنسبة للتربويين.
أكثر من ذلك يمكننا القول أننا لسنا بحاجة إلى صياغة الأهداف الوجدانية لأي مادة دراسية، فالأهداف الوجدانية يمكن أن تتحقق :
– إذا كان المعلم قدوة فسوف يحقق الكثير من الأهداف الوجدانية بشكل تلقائي و من غير تخطيط. فلا جدوى أن نكتب: “أن يُقدر الطالب أهمية الوقت”، و نحن نتهاون في الحضور و في المحافظة على الوقت داخل المدرسة و على مرأى من المتعلمين.
– إذا كان المعلم يحب مادته الدراسية و يقدمها بإخلاص، فهو سيكون مركز إشعاع و عنوانا لحب المادة و تكوين اتجاهات إيجابية نحوها.
– عندما يعطي المعلم انطباعات جيدة عن المادة الدراسية في كل تصرفاته و تحركاته داخل الفصل، فهو بذلك يُثبت قيما جميلة و مؤثرة على المدى الطويل.
– عندما يفخر المعلم بإنجازات العلماء المسلمين و يُشيد بهم (دون أن يطلب من المتعلمين فعل ذلك) فهو ينمي الاتجاهات الإيجابية نحو العلماء المسلمين.
– عندما يقوم المعلم بشرح مادة علمية (هدف معرفي) فإن المتعلم يكون بين (فاهم / فاهم إلى حد ما / لم يفهم)، و كذا الهدف الوجداني فالمتعلم يكون ما بين (مستقبل، مستجيب، مقيم، منظم، متطبع) وهذا يعود لخبراتهم السابق.
– لسنا بحاجة إلى وضع مقياس للهدف الوجداني، فثمرة التزام المعلم قد تؤتي أُكلها بعد حين. و هنا أحب أن أذكر موقفا: التقيت يوما بإحدى الفتيات التي حدثتني كيف أن ابنة أخيها تغيرت سلوكياتها و أسلوب حياتها إيجابيا في البيت بشكل سريع، بفضل معلمة درستها بالمرحلة الثانوية و كيف أنها ما زالت ممتنة لهذه المعلمة، مع العلم أن هذه المعلمة لم تقدم شيئا خاصا بهذه الطالبة.
– يمكن أن يضع المعلم هدفا أو هدفين للمادة الدراسية كلها و يشبعها تطبيقا و تأثيرا و تجسيدا و انطباعا. وهو ما قد يكون مؤثرا أكثر من أن نضع هدفا لكل درس نصوغه في كراساتنا و نذكره أمام طلابنا. و يمكن كذلك أن يضع المعلم خطة إجرائية بخطوط عريضة -له و ليس للمتعلم- لتحقيق هذا الهدف أو الهدفين على امتداد الفصل الدراسي.
نحن نقلق كتربويين عندما تركز الجامعات على الإعداد الأكاديمي للمعلم دون الإعداد التربوي. و نقلق عندما لا توجد مقاييس و معايير دقيقة لمهنة التعليم. فهذا و ذاك هو ما يجعل الأهداف الوجدانية صعبة التحقق.

إغلاق