اخبار التعليم

التفكير التصميمي من الصناعة إلى التربية

رغم أنّ كثيرًا من النشاط التصميمي في القرن العشرين (وفي وقت سابق) يمكن اعتباره “تفكيرًا تصميميًا”، إلا المصطلح ظهر لأوّل مرّة، وبشكل بارز، في ثمانينيات القرن العشرين، مع ظهور مفاهيم التصميم المتمحور حول الإنسان. إنّ مفهوم التصميم كـ “طريقة في التفكير”، يمكن إرجاعه، كعلم، إلى كتاب هربرت أ. سايمون (Herbert A. Simon)، علوم الاصطناع (The Sciences of the Artificial)، 1969، أمّا كتخصّص في مجال التصميم الهندسي، فيُرجع هذا المفهوم إلى كتاب روبرت ماك كيم (Robert McKim) تجارب في التفكير البصري (Experiences in Visual Thinking)، 1973. و في الثمانينيات والتسعينيات، وسّع رولف فيست (Rolf Faste) عملَ ماك كيم، أثناء فترة تدريسه في جامعة ستانفورد، إذ قام بتعريفِ فكرة “التفكير التصميمي” ونشرِها، كطريقة للعمل الإبداعي المكيَّف وفقا لأغراض تجارية، بواسطة شركة التصميم IDEO  من خلال زميله دايفيد م. كيلي (David M. Kelley  وكان كتاب بيتر رو (Peter Rowe)، التفكير التصميمي (Design Thinking)، 1987 أوّلَ استخدام جدير بالذكر لهذا المصطلح في المؤلّفات في مجال التصميم، وقد قدّم هذا الكتاب تقريرا منهجيا عن إجراءات حل المشكلات، تلك الإجراءات التي يستخدمها المهندسون المعماريّون والمخطّطون الحضريّون.

بعد ذلك أفصحت مقالة ريتشارد بيوكانن (Richard Buchanan) ، وعنوانها “مشكلات لعينة في التفكير التصميمي” 1992، عن رؤية أشمل في التفكير التصميمي، وقد كانت بالغة التأثير . واليوم، هناك اهتمام أكاديمي لفهم التفكير التصميمي والإدراك التصميمي.

تعريف التفكير التصميمي Design Thinking

”  التفكير التصميمي ” هو مصطلح يشار من خلاله إلى الطرق الممنهجة والأساليب العملية التي يتبعها المصممون لتحليل وحل المشاكل التصميمية Design Problems ، وقد أثبتت التجارب والأبحاث بأن التفكير بأسلوب المصمم واتباع هذا النمط التحليلي هو أسلوب ناجح  لتحليل وحل المشاكل في مجالات أخرى غير تصميمية non-design fields. ، ويعرف فايسر (Visser,2006) التفكير التصميمي (Design Thinking)  بأنه الطرائق والعمليات المستخدمَة لبحث المشاكل الغامضة، واكتساب المعلومات، وتحليل المعارف، وطرح الحلول، في مجالَي التصميم والتخطيط. وبعبارة أخرى، فهو يشير إلى النّشاطات المعرفية الخاصّة بالتصميم، التي يطبّقها المصمّمون أثناء عملية التصميم.

في حين تعرفه (الشامي، 2019) على أنه عملية تكرارية نسعى فيها لفهم المستخدم وتحدي الافتراضات وإعادة تحديد المشكلات في محاولة لتحديد الاستراتيجيات والحلول البديلة التي قد لا تكون واضحة على الفور مع مستوى تفاهمنا الأولي. وفي الوقت نفسه، يوفر التفكير التصميمي قائمة من الحلول لحل المشكلات. إنه طريقة للتفكير والعمل بالإضافة إلى مجموعة من الأساليب العملية.

أما تيم براون من IDEO فيعرف التفكير التصميمي على أنه: “منهجيه للابتكار تتمحور حول الإنسان، مستمده من مجموعة أدوات المصمم لدمج احتياجات الناس مع الإمكانات التقنية و متطلبات نجاح المشاريع التجارية” ويعتبر التفكير التصميمي منهجية لتوليد الحلول الابتكارية للتحديات التي تعجز الطرق التقليدية عن حلها.

في حين تعرف ( أبو العطا، 2016) التفكير التصميمي على أنه أداة عملية لدمج مهارات القرن الحادي والعشرين وعقلية المبتكر في الفصل والمدرسة ومكان العمل، كما تعرفه هيئة ستانفورد للابتكار الاجتماعي في (هواري والمعمار،2019 ) على أنه نهج إبداعي لحل المشكلات، يبدأ مع المستفيدين الذين نصمم الحلول لهم، وينتهي بحلول جديدة تم ابتكارها خِصيصًا لتتناسب مع احتياجاتهم، إنه الاعتقاد أننا يمكن أن نحدث فرقًا، وأن نجري عملية مدروسة من أجل الحصول على الحلول الجديدة ذات الصلة، التي تخلق تأثيرًا إيجابيًا. والتفكير التصميمي يمنحك الثقة في قدراتك الإبداعية، وهو طريقة فعالة لتحويل التحديات الصعبة إلى فرصٍ للتصميم.

وجاء في تعريف مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم (wise,2017) للتفكير التصميمي أنه مجموعة من المراحل التي يمر بها المصممون، و تبدأ بالتعايش مع تحديد المشكلة وتنتهي بالتنفيذ، أما وفقًا ل(UNDP,2017 ) فإن التفكير التصميمي هو منهجية تقوم على إيجاد الحلول والابتكار المُركز أساسًا على الإنسان. وهي عملية تقوم على خمس خطوات: الملاحظة، التصور، النمذجة، الاختبار، التنفيذ.
يعد التفكير التصميمي عملية، وأسلوبا فكريا ومدخلا لحل المشكلات المعقّدة، ويسمى أيضاً بالتصميم المتمحور حول الإنسان. كونه مدخلا إبداعيا لحل المشاكل، وهو عملية تبدأ بالفئة المُراد التصميم لها وتنتهي بحلول جديدة مفصّلة لحاجاتهم. ويتمركز التصميم حول بناء التعاطف العميق مع المستخدم الأساسي لـتعددية الأفكار، وبناء نماذج أولية، ومشاركة ما تم تصميمه مع الفئة المنتقاة وأخيراً نشر الحلول المبتكرة مع العالم.
وتعرفه كارول، (Caroll,2010) بأنه العملية المعرفية التي يتم استخدامها لبناء الأفكار في صورة متكاملة وذات معنى وفائدة من الأجزاء البسيطة غير ذات المعنى، وهذه العملية تمكن التلاميذ من تطوير حلول مبتكرة لمشاكل العالم الحقيقي، وهذا النوع من التفكير يشمل خمس مهارات هي: التعاطف، والتحديد، والتصور، وبناء النموذج والاختبار. (في همام،2018).

أما (همام، 2018) فقد عرف التفكير التصميمي على أنه طريقة تفكير تعزز قدرة التلاميذ على التعاطف مع سياق المشكلة، وتحديد هذه المشكلة والإبداع في توليد الأفكار والحلول، وبناء وتصميم نموذج لحل المشكلة وأخيرًا اختبار النموذج.

في ضوء ما سبق من تعريفات تعرف الباحثة التفكير التصميمي على أنه : “عملية معرفية ونهج مبتكر لحل المشكلات يرتكز في أساسه على تقمص المصمم شخصيات المُصّمَّم لهم بحيث يمكنه تحديد المشكلة بشكل أدق وصولاً لإنشاء الحلول الجديدة وتعميمها”
ويُعرَف “بورنيت” عناصر ” التفكير التصميمي ” على أنها تعتمد على تحفيز الإلهام الموجود لدى أفضل الأشخاص، واختبار وتجربة كل شيء مرة تلو الأخرى وعدم القبول بما هو أقل من الأفضل، والتركيز على خبرة وتجربة المستهلك، ويركز “بورنيت” في تعريفه على أهمية أن يتمتع الشخص بجرأة في تصور الأفكار دون التنازل عن دقة التفاصيل أو التطلب الشديد عند التنفيذ، وأن ينتقي الشخص العمل مع فريق متفاني بقدر تفانيه الشخصي، كما ينوه إلى أنه لا بد من دمج عنصري المفاجأة والإمتاع في أي تصميم مبتكر.
ووفق مؤسسة IDEO فإن التفكير التصميمي تتفرع عنه خمس مهاراتٍ أساسية هي :

1- التعايش أو التقمص Empathize

ويمكن تعريف التقمص على أنه تضع نفسك مكان المستخدم الذي تريد استهدافه ومحاولة تخيل انطباعاته. كلما زادت قدرتك على التخيل ستصل لنتائج أفضل. حاول أن تعيش تجربة تقليدية لهذا المستخدم في محيطه لتتعرف على مشكلاته وتحدياته، ما يعجبه ويجذبه ويسعده وما لا يستحسنه، وهو كذلك المرحلة التي يتم من خلالها الفهم الدقيق للمشكلة من خلال التعرف على الصعوبات التي يواجهها الأفراد وكذلك احتياجاتهم ورغباتهم ويساعد التقمص/ التعاطف على معرفة كيف يفهم أصحاب المشكلة مشكلتهم ويتفاعلون معها، ويمكن تحديد مؤشرات هذه المهارة بما يلي:
1. تقمص أدوار المستفيدين من التصميم.
2. تحديد احتياجاتهم من التصميم (الحل) وفقًا لتعايشه مع المشكلة.
3. تطويع معرفته بخصائص المستفيدين في فهم المشكلة من وجهة نظرهم.
4. الإلمام بجميع عناصر المشكلة وظروفها (الفهم العميق).

2- تعريف المشكلة أو تحديدها Define

قُم بفلترة المعلومات التي جمعتها في المرحلة الأولى وصَنفها في زوايا وأقسام حتى تستطيع تحديد نوعية المشاكل الموجودة، ثم قرر بعدها أي مشكلة ستتولى حلها. تأكد من اختيار مشكلة تهم قطاعا عريضا من المستخدمين بحيث عند حلها، تكون شريحة كبرى قد استفادت فتشعر بالتغيير، واعرف كذلك أن تحليل المعلومات التي تم جمعها من مرحلة التعايش لتأطير المشكلة بشكل دقيق من خلال صياغة بيان للمشكلة تتمحور حول الإنسان، ويمكن تحديد مؤشرات هذه المهارة بما يلي:
1. صياغة عبارة محددة للمشكلة في ضوء نتائج التقمص.
2. تحديد أبعاد المشكلة في ضوء الاحتياجات الفعلية.
3. صياغة المشكلة تحديدًا دقيقًا دون إسهاب أو إخلال.

3- توليد الأفكار وتصور الحل Ideate

هذا وقت العصف الذهني أو brainstorming فبعد أن حددت المشكلة، ستفكر في كيفية حلها. والأفضل دائما أن يتم العصف الذهني في مجموعات لتطوير الأفكار سويا. لا تستبعد أي فكرة في هذه المرحلة مهما بدت بسيطة أو غير قابلة للتنفيذ. ليس هذا وقت الحكم على الأفكار بل سجل كل ما يأتي إلى ذهنك في إطار نفس المشكلة، فالهدف كمي وليس كيفيا. فاعمل على الخروج بأكبر عدد ممكن من الأفكار. شجع الأفكار غير التقليدية واسمع من زملائك في المجموعة وطور أفكارهم وابنِ عليها. يمكنك الاستعانة بالتمثيل البصري (رسومات أو صور) لتسهيل استيعاب الأفكار. حاول ربط الأشياء ببعضها ولا تفكر في كل جزء وحده.
يمكن تعريف مهارة توليد الأفكار على أنها توليد أكبر قدر من الأفكار التي من الممكن أن تكون حلولًا مبتكرة للمشكلة استنادًا على نتائج المرحلتين السابقتين ثم تحكيم الأفكار وفق قابلية التنفيذ، ويمكن تحديد مؤشرات هذه المهارة بما يلي:
1. تقديم مقترحات أولية للحل في ضوء المعطيات.
2. طرح أكثر من بديل والمفاضلة بينها.
3. اتخاذ قرارٍ علميٍّ في الاختيار بين البدائل.
4. أخذ آراء المستفيدين في المفاضلة بين البدائل بعين الاعتبار.

4- بناء النماذج الأولية Prototype

بعد التوصل للحل، ادرس كيف سيتم ترجمته لمُنتج أو خدمة يستثير المستخدم لتجربته ولا يكتفي بالمشاهدة من بعيد، ويمكن تعريف هذه المهارة كذلك على أنها إعداد النماذج الأولية غير المكلفة بالخصائص الأساسية للمنتج وذلك حتى يتم التحقق من فاعلية الحلول التي رشحت من مرحلة توليد الأفكار، ويمكن تحديد مؤشرات هذه المهارة بما يلي:
1. تقديم خطوات دقيقة لتصميم النموذج الأولي.
2. مراعاة الدقة والمواءمة والملاءمة في التصميم.
3. تقديم نموذج (PROTOTYPE) أو أكثر حسب نتائج تصور الحل.
4. تقديم شرح تفصيلي للخصائص التي يشملها النموذج.

5- الاختبار وتقويم النموذج Test

اجعل المستخدم يختبر ما توصلت إليه من منتج أو خدمة لتقييمه دون أن تتحدث أو تشرح تفاصيل بخصوص كيفية الاستخدام. هكذا ستعرف إن كان المنتج أو الخدمة المبدئية سهلة للمستخدم أم تحتاج إلى تعديل في النهاية وبعد انتهاء التجربة بشكل كامل، يمكنك تقديم شرح بسيط لوظائف وإمكانيات الخدمة أو المنتج الذي صنعته.
وتعرف هذه المهارة كذلك على أنها اختبار أفضل الحلول التي تمت نمذجتها في مرحلة إعداد النماذج الأولية لاختيار الأنسب للمستخدمين مع أخذ إضافاتهم وتحسيناتهم واقتراحاتهم بعين الاعتبار، وتتلخص مؤشرات هذه المهارة في:
1. الاستفادة من التغذية الراجعة عن النموذج المقدم.
2. مراجعة الخلل والنقص في النموذج إن وجد.
3. تصحيح النموذج في ضوء المعطيات والمستجدات والتغذية الراجعة.

إغلاق