اخبار التعليم

نظرية فيجوتسكي : كيف تُعَلِّم المفاهيم العلمية للأطفال؟

وجدت من الضرورة سرد الإطار النظري لبعض جوانب نظرية فيجوتسكي في التعليم ؛ وذلك حتى أضع بين أيدي الباحثين والمهتمين رؤوس أقلامٍ مفيدة في هذ المبحث، ولكن عزيزي القارئ يمكنك الحصول في نهاية كلِّ فكرة على الدروس المستفادة من الإطار النظري، لتبني دليلك العملي حول كيفية توظيف نظرية فيجوتسكي في تعليم المفاهيم العلمية للأطفال…متى رغبت في ذلك.
قراءة ممتعة ومفيدة أتمناها لكم.

تمهيد:

طلب المدرِّس من طلبة الصف الأول القيام بمهمة تصنيف عدد من نماذج الأشكال (مثلثات – مربعات – دوائر – مستطيلات) ضمن مجموعات متشابهة، أنجز الطلبة المهمة باستثناء طفلين لم يُحققا المطلوب، فقد وضع أحدهما مربعاً مع مجموعة المثلثات، في حين صنَّف الآخر الأشكال وفق مجموعتين فقط ( الأولى : تضم الدوائر ، والثانية تحتوي على بقية الأشكال).
قد تعتقد للوهلة الأولى أنَّ الطفل الأول وضع المربع سهواً مع مجموعة المثلثات، ولكن عندما سأله المدرس عن السبب أجاب أنَّ المربع يُمثل مجموع مثلثين معاً يشتركان في القاعدة !!!
فما مشكلة الطالب الثاني يا تُرى؟ ألم يستطع التمييز بين الأشكال؟ أمْ أنَّه اكتشف قاعدةً خاصة في التصنيف لم يتوصل إليها أقرانه؟ في الواقع إن السبب هو الأخير، إذ كانت حُجته أنَّ جميع الأشكال لها حواف (يقصد زوايا)، أمَّا الدائرة فليس لها أية حافّة!!!

مقدمة:

يُبدي الآباء والأمهات استغراباً شديداً عندما يجدون أبناءهم الرضع يُشخّصون هوية الأشياء من حولهم، ويصنفونها بموجب صفات ميّزوها بأنفسهم دون أيِّ تدخل من ذويهم.
كما يتساءل مدرسو الصفوف الأولى عن الأسباب وراء إبداع عدد من تلاميذهم في بعض المهمات وخروجهم عن النمط المألوف.
إنَّ الحقيقة التي يغفل عنها غالبية المربين والآباء، أنَّ كلَّ طفلٍ يُنشئ مشهده التعلُّميِ الخاص به، حيث يستحضر في هذا المشهد شخصيات من صنع خياله، ويستخدم معارف وخبرات ربما لم يخضها بعد، ليُخرج في النهاية نتاجَ تعلُّمٍ فريدٍ ذي طابَعٍ شخصيّ، لذا لا يمكن الحكم على الجميع من زاوية واحدة، ووفق معايير محددة سلفاً.

نظرية فيجوتسكي ونمو المفاهيم عند الأطفال:

يُعتبر العالم الروسي فيجوتسكي أحد رواد تطور الفكر السيكولوجي، وقد طرح فيجوتسكي نظريته المعروفة بـ ” نظرية الثقافة الاجتماعية _ تنمية المنطقة المركزية” التي لم تُعرف في الغرب حتى عام 1958 ولم تنتشر حتى عام 1962.
وقد شرح فيجوتسكي في نظريته تلك، كيفية اكتساب المفاهيم وكيف يتم تعلُّمها من طرف الأطفال، ومراحل تطورها حتى تصبح بصورتها الناضجة لدى الشخص البالغ.

مراحل تطور المفاهيم:

1- مرحلة التفكير التجميعي: ( من الشهر الأول – حتى الشهر الثامن)

يميل الطفل إلى تكديس الأشياء بعضها على بعضٍ، فالطفل الرضيع حالما يمتلك قدرة التركيز على الأشياء الواقعة في مجال بصره، يصبح قادراً على استكشاف الأشياء، وتشخيص هويتها بموجب صفاتها المميزة. إنَّهُ يتعلم تصنيف الأشخاص حسب مظاهرهم وأعمالهم، و يستطيع ربط سمات وتصرفات معينة بأبويه، فعندما يقترب أحد الأبوين من الطفل، يتلقاه الطفل بابتسامة، مما يدل على أنه يُميزه عن باقي المتغيرات من حوله. إنَّ هذه الارتباطات الأولية ليست ذات أهمية بحدّ ذاتها، وعلى الرَّغم من كونها غير متميزة وغامضة، ولكنَّها تتراكم لتكوّن قاعدة من الخبرات، أيّ أنَّها المادة الخام للمفاهيم.
دروس مستفادة ❶: ينبغي إحاطة الطفل ببيئة غنية ومنظّمة، مما يُسهل على الطفل فهمها وتكوين العلاقات بين عناصرها، لصنعِ مفاهيمه في المستقبل.

2- مرحلة التفكير التعقيدي : ( من الشهر الثامن – حتى 12 شهر)

يقوم الطفل بالتصنيف وفق أسس أكثر موضوعية مما سبق، فهو يصنّف على أساس أوجه الشبه، إلا أنّ عمليات التصنيف هذه لا تعتبر دائماً دقيقة، فقد ينخدع بمظهر الشيء ويتصور أنَّه ينتمي إلى فئة معينة و يوجد بينه و بين عناصرها وجه شبه. فقد يلتهم الطفل قطعة الصلصال السوداء لأنَّها تشبه الشكولاتة.
دروس مستفادة ❷: ينبغي تنبيه الطفل إلى أوجه الشبه والاختلاف عندما تختلط عليه الأمور، وفي الجانب الآخر يمكن تعزيز التشابهات التي يبنيها من وجهة نظره ومن ثمَّ تعديل مسار استغلالها، كي لا نوقف عجلة الإبداع التي بدأت بالعمل.

3- مرحلة تكوين المجاميع : (من السنة – حتى السنتين)

يبدأ الطفل في تكوين المجموعات المتقابلة أو المتكاملة فهو يضع الأشياء معاً ليس على أساس وجود شبه بينها، إنَّما على أساس أنَّها تنتمي لنفس الفئة أو تؤدي الوظيفة ذاتها، مثل الأكواب على اختلاف أشكالها ومظهرها إلا أنَّها بالنسبة له كلها أكواب.

4- مرحلة العقد المتسلسلة : ( من 2 إلى 4 سنوات)

يبدأ الطفل في التصنيف على أساس صفة معينة، ثمَّ يشرد ذهنه إلى صفة أخرى.
وهذا في حدِّ ذاته تطور هام، إذ يعني أن الطفل يُدرك أنَّ للشيء الواحد عدداً من الصفات، وأنَّ كلاً منها يصلح أساساً للتصنيف، وفي هذه المرحلة يُمكننا ملاحظة مدى المرونة التي اكتسبها عقل الطفل.

5- مرحلة العقد المصقولة : ( من 4 – 6 سنوات)

في هذه المرحلة لا يحدث تغير كبير في طرق التجميع بقدر ما يحدث صقل لتلك القابلية أو المهارة، فتزداد المرونة لدى الطفل. فكما رأينا على سبيل المثال في مهمة تصنيف الأشكال التي ذكرناها في البداية، فالطفلين كانا على حق، إلا أنَّ استجابتهما تُعد خروجاً على المهمة التي بين أيديهما. ويمكننا في هذه المرحلة ملاحظة إبداع الطفل، لأنَّ ذهنه غير محدد بمعايير الكبار في عملية التصنيف.
دروس مستفادة❸: ينبغي لنا تشجيع الاستجابات الغريبة، وألا نؤطرها بمعاييرنا كي لا تضمر، فنُلغي الجانب الإبداعي لدى مبتكرها، و نحبسه ضمن قالب النمطية.

6- مرحلة أشباه المفاهيم : ( من 6 إلى 8 سنوات)

يقوم الطفل بتكوين تجميعات للمفاهيم، إلا أنَّه غالباً ما يكون غير متأكد تماماً من طبيعة مهمته بالضبط. فقد يقوم بتجميع الأشكال المطلوبة (المثلثات) ولكنَّه غير قادر على تحديد القاعدة التي يستند إليها عمله.
دروس مستفادة ❹: ينبغي الابتعاد عن سؤال (عرِّف كذا؟) في مرحلة الطفولة المبكرة لأنَّ الطفل غير قادر بعد على صياغة التعاريف والقواعد، وإذا تمكن من سردها فهو إذن يحفظها عن ظهر قلب دون أن يعي مكنوناتها.

7- مرحلة تكوين المفاهيم (التفكير المجرد): ( تبدأ من سن الثامنة فأكثر)

نتيجة عمل جميع المراحل التي سبق ذكرها. تُعتبر هذه المرحلة تطورا طبيعيا للإحساس بأصناف الأشياء، والإحساس بأنَّ لكلِّ شيء في هذا العالم خصائص وصفات وسمات تشاركه فيها أشياء أخرى. إنها عملية الابتعاد عن الاعتماد على الإدراك وحده، والانتقال إلى القدرة على تجريد صفات الأشياء، وبالرغم من أنها عملية طويلة ومضنية، إلا أنَّها عملية مثيرة، فهي العملية التي ينتقل بها الطفل من التفكير الحسي إلى التفكير المجرد.
دروس مستفادة: اقرأ حتى النهاية لتعرف آليات تطبيق هذه المرحلة في الفصول الدراسية.

سمات نظرية فيجوتسكي :

السمة الأولى: يُسهم التفاعل الاجتماعي بشكلٍ أساسي في تطوير الإدراك، ويُظهر مدى تطور الطفل ثقافيا مرتين، في البداية على المستوى الاجتماعي ولاحقاً على المستوى الفردي، حيث يظهر أولاً بين الناس وبعد ذلك داخل الطفل.
السمة الثانية: يعتمد التطوير الإدراكي على منطقة النمو القريبة المركزية (ZPD)(1)
فمستوى التطوير يتقدم عندما ينخرط الأطفال في السلوك الاجتماعي. فالتطوير يلزمه تفاعل اجتماعي كامل، ودرجة المهارة التي تُنجز تزداد بتوجيه شخص بالغ، أو تعاون أقران أكثر خبرة، بحيث تتجاوز ما يمكن أن يُنجز بشكل فردي، كما يُساعد في تنقية التفكير أو الأداء لجعله أكثر فعالية. فالوعي لا يوجد في الدماغ بل في الممارسة اليومية.

منطقة النمو المركزيةإنَّ منطقة النمو القريبة المركزية تختلف باختلاف مراحل النمو المختلفة، أو باختلاف الأوقات أثناء مرحلة امتلاك المهارة. ومناطق النمو المختلفة قد تتفاوت في الحجم، فبعض الطلاب يحتاجون مساعدة كبيرة لإنجاز مكاسب صغيرة في التعلم، في حين أنَّ هناك طلاباً يتقدمون بسرعة في التعلم بمساعدة أقل بكثير من غيرهم. وفي نفس الوقت قد يتفاوت حجم المنطقة لنفس الطفل من منطقة لأخرى، أو في الأوقات المختلفة خلال عملية التعلم.
دروس مستفادة❺: نعود لنؤكد مجدداً أنَّه لا يمكن التعامل مع جميع الطلبة وفق نفس الأسلوب. كما نلفت الانتباه إلى الآتي:
لكي يتم التعليم في منطقة النمو القريبة المركزية:
– يجب التجاوب مع الأهداف التي نسعى لتحقيقها، وذلك بتزويد المتعلم بالتوجيه والمساعدة اللذان يمكّنانه من تحقيق تلك الأهداف، وزيادة إمكانية مشاركته المستقبلية.
– التعلُّم فيها لا يتطلب بالضرورة وجود مُعلّم، فحين يتعاون الناس في نشاط معين كل فرد يُساعد الآخرين ويتعلم من مساهماتهم.

مفاتيح نظرية فيجوتسكي في الفصول الدراسية:

هناك أربعة مفاتيح أساسية مهمة:

– طبيعة التفاعل الاجتماعي للتعلم.
– أهمية الأدوات النفسية والفنية.
– دور التفاعلات الاجتماعية كوسيط لتفكير المتعلم والممارسة الثقافية.
– التأثير المتبادل بين المفاهيم اليومية والعلمية.
و حتى لا أطيل شرح هذه الأسس، سأوضح فقط الفكرة المركزية لكل أساس ويمكنكم التزود فيما بعد من المصادر.

1- طبيعة التفاعل الاجتماعي للتعلم:

قسم فيجوتسكي الكلام عند الطفل إلى ثلاث خطوات:
– الكلام الاجتماعي.
– الكلام المتمركز حول الذات.
– الكلام الداخلي (التفكير).
لذا فعملية بناء المعرفة وفقاً لنظريته تأتي بداية من خلال تفاعل اجتماعي للمتعلم مع شخص آخر أكثر معرفة، ثم تُبنى ذاتياً كنشاط فردي. ففي الفصول تتم المناقشة الاجتماعية والتفاوض بين المعلم والطلبة وبين الطلبة بعضهم مع بعض كعملية اجتماعية ثقافية لتوجيه تفكير الطلبة ومن ثم تكوين المعنى.

دروس مستفادة❻: ينبغي عدم فصل الفرد عن المجتمع و المحيط في بناء السياق المعرفي، وتشجيع التعلم من خلال النشاط الجماعي التعاوني فالتعلم الحقيقي يُخلق من خلال الاشتراك في العمل.
ويتساءل المدرسون عن الكيفية التي يُقيم فيها درجة التمكن من المهارات، هنا وفي إطار بحثنا، يمكنك بناء قوائم تدقق من خلالها تطور مهارة المتعلم (في الاعتماد على نفسه في تكوين المعنى):

نظرية فيجوتسكي

2- أهمية الأدوات النفسية والفنية‏:

يعتبر فيجو تسكي أنَّ الوسائط الرمزية مفتاح هام لبناء المعرفة، ومن ضمنها الأدوات النفسية التي تصل داخل الفرد بخارجه. وقد أدرج عدداً من الأمثلة منها:
الوسائل الرمزية مثل: اللغة والأنظمة المختلفة للحساب والكتابة والقطع الفنية والمخططات والخرائط والرسوم…
الأدوات النفسية مثل: الكتابة والرسم والحوار الشفهي والرموز والأفكار والمعتقدات…

دروس مستفادة❼: هذه الأدوات تنبع من المتعلم نفسه كتحفيز داخلي وتهيئه للتعلم، وتوضح مدى استيعابه للمفهوم. لذا يمكن توظيف الأدوات النفسية كأداة لرؤية المفهوم من وجهة نظر المتعلم، والوسائط الفنية كأداة تمده بكيفية الحصول على المعرفة.

3- دور التفاعلات الاجتماعية كوسيط لتفكير المتعلم والممارسة الثقافية:

إنَّ تعلّم المفاهيم العلمية يتطلب جزءاً من مشاركة المتعلم الاجتماعية مع شخص أكثر معرفة، أو مع مصدر للمعرفة مثل: (الكتاب– المدرس– مجلة – برنامج – حاسوب …)، فمن خلالها يكتسب المتعلم لغة الاتصال العلمي كطريقة للرؤية والتفكير في الظواهر. وبذلك يكون المعلّم داعماً وموجهاً وأداة وسيطة ومساعدة لعمل ربط بين المفاهيم العلمية والمعرفة اليومية للمتعلم.


دروس مستفادة❽: ينبغي الاهتمام بعنصرين أساسين:

بنية النشاط التعليمي: ينبغي تصميم النشاط بالاعتماد على التفاعل مع المتعلم باستخدام أشكال التدريس الوسيطة: وهي أشكال تدخل وتوسط المعلّم أو البرنامج المصمم ليدعم تنمية فهم الطلاب للمعرفة العلمية، ومنها (أساليب الافتتاح و كسر الجمود أو التهيئة والاستجابة و التغذية الراجعة) بحيث يوجه مناقشات الفصل الاجتماعية لتحفيز المتعلم على التعبير عن المعرفة بألفاظهم الخاصة، وذلك لبناء وصلات بين المفاهيم اليومية والمعرفة العلمية للتأكد من فهم المحتوى.
الدعامات العلمية: هي جسور تساعد على الوصول إلى الشيء الذي لا يعرفه الطلبة، بحيث تكون عبارة عن مساعدة مؤقتة، وبمجرد أن يشعر المعلم بأنَّ المتعلم بدأ فعليا بحل المشكلة بصورة مستقلة يقوم تدريجياً بإزالة الدعامات.
وفيما يلي مخطط يوضح منطقة النمو القريبة المركزية (منطقة النمو الحدي) والدعامات التعليمية بحسب وصف فيجو تسكي مقتبس من مجلة التعليم الإلكتروني (دعامات التعليم):

منطقة النمو الحديمن هذه الدعامات نذكر على سبيل المثال:
– تجزيء المهمة إلى أجزاء سهلة التنفيذ.
– توظيف عمليات التفكير لإنجاز المهمة.
– التعلم التعاوني.
– عرض نماذج.
– تقديم نصائح وإجراءات وخطوات عمل.

ينبغي الانتباه إلى ضرورة تنويع الدعامات التعليمية بحسب طبيعة المتعلم واحتياجاته واحتياجات الموقف التعليمي. و نوضح سرعة الاستجابة بالدعامات التعليمية بالمخطط الآتي:

الدعامات التعليمية

4- الدور المتبادل بين المفاهيم اليومية والعلمية:

لابد من التركيز على التصورات والمفاهيم اليومية لأنها خبرة مألوفة لدى الطلاب، ليزداد تفاعلهم أثناء التعلُّم وذلك لبناء المعنى الجديد. ومن جهة أخرى قد يكون المفهوم العلمي ذو صلة بالمفهوم اليومي وقد لا تكون له أي صلة.
ولتوضيح الفرق بين المفاهيم اليومية والعلمية نذهب إلى تصنيف فيجوتسكي للمفاهيم:
مفاهيم يومية (تلقائية): تتكون من خلال التفاعلات والخبرات خارج المدرسة، وتُبنى على المظهر المادي والسمات الشكلية، وتُنمى من المحسوس إلى المجرد.
مفاهيم علمية (غير تلقائية): تتكون من خلال التفاعلات والخبرات داخل المدرسة، وتُبنى على العمليات العقلية، وتُنمى من المجرد إلى المحسوس.

دروس مستفادة❾:لاكتساب المفهوم لابد من البدء أولاً من المفهوم بحد ذاته، لكن في صورته عند المتعلم ( الوسائط الرمزية والأدوات النفسية)، ثم في صورته لدى الآخرين(اجتماعياً)، ثم تكوينه عند المتعلم ذاته.
والمتعلم يستخدم عمليات ما وراء المعرفة ليُحوّل ويُعمم معرفته اليومية (المادة الخام) إلى نظام متماسك من المفاهيم العلمية. (استراتيجية K.W.L كواحدة من استراتيجيات ما وراء المعرفة)

إذن: كيف يكون التأثير بين نوعي المفاهيم متبادلاً؟
المفاهيم اليومية التلقائية تُنمى من المحسوس إلى المجرد أما المفاهيم العلمية فتنمى بالاتجاه العكسي، لذا ينبغي تطبيق أمثلة محسوسة عن المفاهيم العلمية، و العمل على الحركة في الاتجاهين (من المحسوس إلى المجرد ومن المجرد إلى المحسوس) ذهاباً وإياباً حيث بات ذلك أمرا ضروريا لاستيعاب المفهوم، أي تطبيق المفاهيم العلمية في الخبرات اليومية.
ولا تتكون المفاهيم بالتكرار، ولا داخل اللعب المرافق، إنّما عن طريق عمليات عقلية، والتعبير بواسطة اللغة كمرشدة للتفكير، فالتدريس في ظل رؤية ثقافية اجتماعية في الفصل يدعم وينشط فهم الطلاب ويساعدهم على بناء المعارف الجديدة.

لماذا نحرص على استظهار المفاهيم اليومية؟
جميعنا كمدرسين نعلم أنَّ المتعلم يحتاج إلى وقت طويل لتقبل الأفكار الجديدة، ولوقت أطول لمقارنة المفاهيم اليومية بالمفاهيم العلمية لطرد وتغيير بعض الأفكار (التمثلات)، فالغرض إذن من استظهار أفكار المتعلمين ومفاهيمهم اليومية ليس لتحديها فنخلق ثغرة في الإطار الذهني للمتعلم، إنما لقبولها بمرونة كنقطة بداية للمساعدة في توسيع المعرفة، وتطبيقها في مواقف عديدة للتكامل داخل إطار أوسع للمفاهيم العلمية.

و هناك ثلاث حالات لتقريب المفاهيم العلمية حسب فيجو تسكي:

1- ارتباط وثيق بين المفهوم المستهدف والخبرة اليومية (المفاهيم التلقائية)، وبذلك فإنَّ المفهوم المستهدف يُدرَّس انطلاقاً من المفاهيم اليومية.
2- المفاهيم المستهدفة أقل وجودا في الاستخدام اليومي، فهنا ينبغي أن يُحاول المعلم اختيار المفاهيم اليومية القريبة مما هو مستهدف كبداية.
3- لا يوجد ارتباط بين المفاهيم المستهدفة والمفاهيم اليومية، لذا ينبغي على المُعلّم محاولة استخدام وسائل ومدعمات لتثبيت المفاهيم العلمية في غياب المفاهيم اليومية.

ختاماً:

ينتقل تعليم المفاهيم وفق نظرية فيجوتسكي من عملية تجهيز المعلومات وتقديمها منعزلة عن المفاهيم التلقائية اليومية إلى عملية تسهيل بناء النسيج المعرفي لدى المتعلم، بمشاركته بتشكيل الارتباطات والعلاقات والتراكيب العقلية. فالمعرفة لا تقتصر على الحالة العقلية، بل تتجاوز ذلك إلى الخبرة في علاقات الأشياء ببعضها ولن يكون لها معنى خارج هذه العلاقات. كما نؤكد على السياق الثقافي الاجتماعي للتأثير على التعلّم من خلال تفاعل الأطفال مع أقرأنهم والآباء والمعلمين فالتعلم عملية بنائية نشطة لا تتم عبر اكتسابٍ سلبي للمعرفة.

 

 

 

 

 

 

تعليم جديد

إغلاق